top of page

تجارب سفر: كوريا الجنوبية دولة من كوكب الأرض

  • نوف جمعه
  • Oct 11, 2016
  • 4 min read

في شهر رمضان السابق، طرأت رحلة مفاجأة إلى العاصمة سيؤول – كوريا الجنوبية ، ولم أتردد بالتطوع كمسؤولة عن الطالبات، فهي كانت فرصة بالنسبة لي لاكتشاف بلد جديد لم يكن يخطر على بالي زيارتها بحكم عدم شغفي الكبير بالثقافة الآسيوية، وصقل مهارة تحمل المسؤولية. كما أن الهدف من الرحلة وهو حضور "المؤتمر العالمي المشترك على العمل الاجتماعي والتعليم والتنمية الاجتماعية 2016"، يعد مكتسب مهم في رصيد زيادة المعرفة لدي حول الامور المتعلقة بالشؤون الدولية.

في اليوم المحدد للرحلة التقيت بالطالبات، واستقلينا الحافلة متجهين إلى أبوظبي، ومن بعدها إلى الطائرة قاصدين العاصمة الكورية. طوال الرحلة، كنت غارقة بالأفكار التي كنت أحملها عن تلك البلاد المتطورة وكيف ستبهرني بإزدهارها، جعلتني أشعر بأني سأعيش تجربة فريدة ستذهلني بتقدمها التكنولوجي وقوانينها ونظامها ورقي شعبها ! كيف لا وهي الدولة التي استطاعت أن تنقل نفسها من دولة نامية إلى دولة متقدمة وواحدة من أكبر الدول الاقتصادية في آسيا والعالم متحدية كل الصعاب التي واجهتها من بعد نشوء الحرب الكورية في عام1950، فهي الدولة المصدرة لنا لأشهر السيارات والأجهزة الإلكترونية (سامسونج). كما أن بعض البرامج العربية التلفزيونية لم تقصر في رسم صورة متحضرة ومتقدمة عن رقي شعبها في نظام حياتهم وتعاملاتهم!

عند وصولنا للمطار، تحقق أول انطباع عن البلد بنظافته وسلاسة الإجراءات، ولكن سرعان ما تلاشى ذلك الانطباع عندما تلقفنا إحدى سائقي سيارات الاجرة الغير رسمية عارضاَ علينا التوصيل محاولاً إقناعنا بانه سيوصلنا بسعر أقل من سيارات الأجرة في المطار، وفي نفس اللحظة توجه شخصاً أخر إلينا لإقناعنا كذلك، شككت في الأمر واعتذرت منهم فاستقلال سيارات أجرة المطار بالنسبة لي آمن بكثير فهي مقدمة من شركات موثوقة. توجهت إلى حجز سيارة أجرة من المطار وإذا بالسعر أقل من ما عرضه السابقون علينا! ذلك الموقف رجع بي إلى مواقف عايشتها في إحدى الدول العربية ولم أتوقع بأنها ستتكرر في كوريا!

توجهنا إلى الفندق واسترحنا قليلاً، ومن بعدها قصدنا اكتشاف المنطقة التي نقطنها – منطقة الكويكس وزرنا ثاني أكبر معبد بوذي في البلاد، وأكبر مجمع تجاري تحت الأرض يضم محلات عالمية ومحلية ذات جودة بضائع عالية وفريدة تعكس تقدم وتنوع السوق الكوري وانفتاحها الاقتصادي، كما كان يضم المجمع مطاعم متنوعة عالمية شرقية وغربية، يقدم بعضها وجبات حلال. أعجبني ذلك، فكوريا بلد لا يتسم بتعدد الجنسيات، إلا أنك ستجد أن الشعب الكوري مقبل على تذوق جميع أصناف المطابخ العالمية والذي يدل على انفتاحهم وتقبلهم لثقافات الآخرين رغم عدم الاحتكاك الكبير والمباشر. وعند الانتهاء من جولتنا رجعنا إلى الفندق للاستعداد لافتتاح المؤتمر غداً.

اشرق يوم الافتتاح وتوجه جميع الحاضرين القادمين من أنحاء المعمورة إلى المسرح الذي بدأ بترحيب القادمين وفقرة موسيقية من الثقافة الكورية وبعدها تم عرض كلمة مسجلة لرئيسة الجهورية الكورية والأمين العام للأمم المتحدة، وتقدم الوزير الكوري للصحة والخدمات الاجتماعية لإلقاء كلمته، وعند لحظة اعتلاءه للمنصة صعد مجموعة من المتظاهرين من ذوي الاحتياجات الخاصة بطريقة مريبة من جميع الجهات على أرجلهم وبكراسي متحركة حاملين لافتات صارخين بكلمات مبهمة، وأخرين قامو بتوزيع منشورات عن مطالب احتجاجهم على الحاضرين باللغة الانجليزية، لكن للأسف لم تطلني إحدى المنشورات وتركتني أغرق في بحر فضولي. ردة الفعل كانت أكثر غرابة وريبة من منسقي الحفل ورجال الأمن وكأنها مشهد تمثيلي، ففي نفس اللحظة قام إحدى المنسقيين بوضع يده على المرآة التي تصرخ لإسكاتها وآخرين قامو بإنزال القاعدين على الكراسي المتحركة من على المسرح بطريقة تعسفية وحملهم من أطرافهم وإخراجهم من المسرح! إنذهل الجميع من الموقف وتهامسو بإستياء عن ما حدث أمامهم، ومع ذلك بدأ الوزير الكوري بإلقاء كلمته وكأن شيئاً لم يكن وبدأت من بعدها فقرات الافتتاح والمناظرات بالاستكمال، لم تحتمل سيدة من الحاضرين تجاهل المشهد، ووقفت بشجاعة معللة ما حدث بأنه أمر مناقض تماما لشعار المؤتمر والذي يدور حول كرامة وقيمة الشعوب و أنه إهانة للجميع! صفق الحاضرين لها بحرارة لأنها تجرأت بقول ما كان يدور في خاطرهم! نعم، فقد كان الأمر مهانة كبيرة وصورة مناقضة عن حقيقة مصداقية الجميع بشأن الجهود المبذولة لتعزيز العمل الاجتماعي ودورالحكومات! لم أصدق ما حدث أمامي ومن ردة الفعل الباردة التي كانت من قبل الوزير والمنسقين والمقدمين! فلم يتحرك أحد منهم قبل وقوف السيدة لحل ما حدث بطريقة أكثر سلاسة ومتحضرة من غير أن يتم إذلال أي طرف أو حتى التعليق حول ما حدث أو تقديم الاعتذار والوعد بحل المشكلة! صحيح أن الاحتجاج كان بطريقة خاطئة ولكن كان يجب أن لا يتم تجاهلها بطريقة أسوء بكثير في رأيي! انتهى الافتتاح بعرض عزف موسيقي مقدمة من قبل فئة الصم، ولا أنكر أنه كان عزفاً جميلاً وقف له الجميع من شدة روعته. وقبل خروجي من القاعة قمت بفتح حسابي على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن أسباب الاحتجاج والتي وجدت فيها كما توقعت تغريدات تضم صورة للمنشورات شفت غليل فضولي!أكملنا باقي الأيام في كوريا بحضور المحاضرات المتنوعة حول قضايا العمل الاجتماعي وزيارة الأسواق والأماكن السياحية مستقلين سيارات الأجرة التي كانت تتسم بالنظافة ومصداقية السائقين ورخص السعر مقارنة بالمسافات التي كنا نقطعها والتي تزيد عن الساعة لازدحام المدينة وووسعها. أذكر بأن إحد الطالبات قد أضاعت هاتفها المتحرك في إحدى سيارات الأجرة ولحسن الحظ بأنها قد تواصلت مع العاملين في الفندق اللذين حادثو سائق الأجرة، والذي قام بإرجاع الهاتف المتحرك قبل عودتنا إلى الفندق بمقابل مبلغ سعر التوصيل. رغم ذلك، لا تتسم سيارات الأجرة بالآمان واحترافية السائقين، فطريقة قيادتهم للسيارة غير نظامية تتسم بالتجاوز وأحياناً السرعة. ولم يكن هذا الآمر يقتصر على سائقي الأجرة، بل حتى على سائقي السيارات الخاصة ، كما أذكر أنه قد صادفني تعدي أحدهم الاشارة الحمراء. بإختصار شوارع كوريا لا تختلف كثيراً عن شوارع البلدان الآخرى وليست بذلك النظام الذي قد تخيلته! إنتهت رحلتنا إلى كوريا الجنوبية بصورة لم أتوقعها، كل المواقف التي صادفتها قد تكون عادية ومتوقعة وأفضل بكثير من بلدان أخرى إن لم أكن قد رسمت صورة في مخيلتي أكبر من الواقع! فكم من دولة أبهرتني بجمالها ورقيها وآمنها رغم الصورة المناقضة التي كانت في مخيلتي وكم من دولة حدث ما هو العكس! في الأخير، ستظل رحلة كوريا جميلة قد أكسبتني المهارات والفرص التي تأملتها، صداقة جميلة مع الطالبات لن تندثر، ودرساً لن أنساه وهو أن جميع الدول في الأخير تقع على كوكب الأرض، وفي كل دولة ما هو متقدم ومميز عن غيرها وما هو متخلف وغريب أيضاً! ولن أكتشف ذلك إلا أن أخوض التجربة بنفسي! والتي قد لا تكون مشابه مع غيري!


 
 
 

Comments


© 2023 by The Book Lover. Proudly created with Wix.com

  • Grey Facebook Icon
  • Grey Twitter Icon
  • Grey Google+ Icon
bottom of page